النظرية الماركسية اللينينية والمنهج العـلمي

5
يذهب العديد من المثقفين الليبراليين و”اليساريين” على اعتبار الماركسية اللينينية مقولة ايديولوجية انتهت مع انهيار الاتحاد السوفياتي وأنّ العصر الحالي عصر الديمقراطية خاصة بعد صدور مقال فوكوياما “نهاية التاريخ”، وسبقتها بعض المحاولات النقدية من مدرسة فرانكفورت وهيدغر وهبرماس وفوكو… فتمّ نفي الجانب العلمي عن الماركسية. إنّ هذا النقد له جوانب معرفية وجوانب ايديولوجية ولكن ما مدى “علمية” النظرية الماركسية اللينينية وعلاقتها بالايديولوجيا الثورية. هل يمكن انتزاع الايديولوجيا من أساسها الطبقي والخروج بها من حلبة الصراع السياسي؟
ان الصراع الطبقي صراع سياسي بامتياز وهو صراع ايديولوجي بين الايديولوجيا الثورية و الايديولوجيا التبريرية ” ايديولوجيا زائفة” حسب تعبير ماركس. ولقد عبّرت الماركسية عن رفضها لكل جمود عقائدي وتمسّكها بالمنهج العلمي و تراكم المعرفة العلمية ( من غاليلي الى نيوتن وانشتاين الى كانط وديكارت وهيجل وصولا إلى هبرماس وفوكو وتشومسكي …فلسفة ما بعد الحداثة )، فالمعرفة الفلسفية والمعرفة العلمية تراكمية تضيء جوانب موضوعاتها وفق دراسة الظاهرة التي تتناولها ولكن كل مفكر وعالم يتحرك في حيز ايديولوجي، فلقد كان ماكس فيبر ودوركايم من أشدّ المدافعين عن الرأسمالية ولهم مساهمات هامة في تطوّر علم الاجتماع والأمثلة كثيرة فهل ننزع عنهم مساهماتهم العلمية؟
المعرفة باعتمادها المنهج العلمي لها أسس ومواصفات وتتمثل في:
المواصفات:
ـــ الانتقال بالعالم من الميتافزيقيا الى العالم المحسوس المادي ( الوجود الموضوعي )
ــــ التخلّص من الذاتية واعتماد الموضوعية
ــــ الاختبارية ( المحسوس / التجريب )
ـــ الدقّة والتحديد ( المفاهيم والموضوعات )
ــــ تحليل المعطيات والوصول الى الاستنتاج العلمي
ــــ اكتشاف القوانين وقابلية صحتها ( الاثبات العلمي )
ــــ الاتصاف بالعالمية Universality ( تراكم المعرفة البشرية وشموليتها )
ـــ الشمولية والترابط ( العناصر المكوّنة والظواهر )
الأسس المنهجية:
ــــ الملاحظة العلمية
ــــ الفرضية العلمية
ـــــ إخضاع الفرضية الى التجربة والتحقق من صحتها
ــــ اكتشاف قوانين الظاهرة أو الظواهر وقابليتها للتعميم
ـــ الوصول الى نتائج علمية ثابتة
اعتماد أساليب وأدوات علمية وتعددية المناهج مع وحدة المنهج العلمي في أصوله ( التحليل “الكمي و النوعي” “الوصفي” “المنظومي” “البنيوي”، القياس، السياقات ، النسق، تفكيك و اعادة تركيب، السبب والنتيجة، المقارنة ، الخاص والعام، الترابط الجزئي والترابط الكلي… )
تعتبر الموضوعية العلمية مكوّنا جوهريا للمعرفة العلمية وتتمثل في عكسها الواقع كما هو والمعرفة غير العلمية تعكس الواقع بصورة مخالفة لما هو عليه في تفسير ظاهرات الكون والظاهرة الانسانية بتجلياتها المختلفة وبمختلف ابعادها رغم أنّ الحقائق العلمية غير مكتملة وإنما في تطوّر مستمر. فقانون الجاذبية للأرض حقيقة موضوعية باعتبارها ميكانيزما، تطوّرت نظريا بقانون النسبية مع اينشتاين والبعد الرابع في الفيزياء الجديدة ومن هنا نفهم الحتمية العلمية المطوّرة في نسقها التصاعدي من خلال “ابستملوجيا اللاحتمي”. فالعلم اكتشاف مستمر للقوانين في سياقاته التصاعدية بشكل لولبي وبذلك تخطو المعرفة الانسانية خطوات الى الامام وإلا سقطنا في المتافيزقيا بمعناها الفلسفي والديني والأسطوري.
ومع الفصل بين العلوم الطبيعية والعلوم الانسانية بدأت المشكلات المنهجية تدخل إلى العلوم الانسانية فأي اختلاف بين العلوم الطبيعية والعلوم الانسانية يمكن أن يكون مقبولاً وصحيحاً فالاختلاف في الأساليب أو في الأدوات أو في نوعية الظواهر أمر معقول أما أن يكون الاختلاف في المنهج العلمي نفسه الـذي هو ملك للإنسانية كلها فذلك يعيق التقدّم الانساني و حلّ مشكلات التي تواجهنا إن أردنا تغيير الواقع تغييرا نوعيا وجوهريا.( غير دقيق في علاقته بما سبق )
انبنى الكون، والعالم والإنسان على مبدأ أساسي جوهري Rien ne perd, rien se secret tous se transforme. فلا يمكن دحض هذا المبدأ العلمي ولا نقضه ذلك هو المسار الطبيعي للوجود الطبيعي في سيرورته اللامتناهية وفق مبدأ رياضي moin l’infini, plus l’infini. تنتفي الألوان في الظلام، فالألوان انعكاس ضوئي لمواد فيزيائية متنوعة ومختلفة من حيث مكوّناتها. هذه حقائق علمية ثابتة، فكل شيء يتغيّر ويتحّول في حركة مستمرّة مختلفة في انتظامها. فهذه الثوابت العلمية اعتمدتها الفلسفة الماركسية على أساس مبدأ التناقض ” صراع / وحدة في عملية تحول مستمر في ” حركة دائمة ” قانون الطبيعة للوجود الطبيعي وقانون المجتمع للوجود الاجتماعي الذي يتخذ تشكلات مختلفة ومتنوعة من حيث التركيب والعناصر المكوّنة والحركة والأبعاد في سيرورة تحوّلات بطيئة تبدو كأنّها حالة سكون وثبات وتحولات نوعية جوهرية في الصفات والمكونّات تنطبق على الطبيعة والانسان والمجتمعات، فكانت الماركسية المطوّرة لينينيا، فلسفة التغيير و الثورة، فهذا التحّول النوعي يحدث في الطبيعة كما يحدث في المجتمعات في وجودهما الطبيعي النوعي، يتشكّل فيها ما هو بسيط وما هو معقّد. تنبعث الحياة من مادة بسيطة ” العفن” ( انبعاث من مادة ” جامدة ” في ظاهرها الى حالة ” حياة ” تكاثر من انقسام توسّع، حركة الحياة تبدأ ).

This entry was posted in عام. Bookmark the permalink.