تعاني منذ مدّة طويلة سواحل مدينة قصيبة المديوني و المناطق المجاورة لها من الإهمال و تقصير السلط المعنيّة حيث لا عناية و لا إهتمام بمطالب الأهالي المتكرّرة من أجل إيقاف صبّ مياه التطهير و المصانع و المواد السّامة في بحرها و على شواطئها. و قد ناضل الأهالي منذ 2006 من أجل تحقيق هذا المطلب الأساسيّ لضمان حقّهم (علما و انه حق مدستر) من اجل بيئة سليمة وسط تعتيم إعلاميّ رهيب و تسويف حكومة و مؤسّسات التّجمّع الفاسدة.
نفس عدم اللّامبالاة وجدها الأهالي من قبل حكومة النّهضة العميلة ممّا دعّم التّدهور المتواصل للنّظام البيئيّ حيث ظهرت الكثير من حالات التعفّن على السّواحل و نفقت العديد من الكائنات البحريّة و تطوّرت نسبة الإصابة بمرض السّرطان لدى الأهالي و ذلك بالنّسبة لجميع الفئات العمريّة حيث تعتبر معدّلات الإصابة في قصيبة المديوني بهذا المرض العضال هي الأرفع بكامل تراب الجمهوريّة و أدّى هذا الوضع الكارثيّ بالضرورة إلى قطع أرزاق العديد منهم و ارتفاع نسب البطالة نظرا لإستحالة مزاولتهم لمهنتهم في منطقة يعتبر فيها قطاع الصّيد البحري العائل الأساسي لمعظم السكّان.
و أمام يأس الأهالي و رفضهم لسياسة الموت الصّامت و البطيء الّتي تنتهجها معهم الحكومة،و تمسّكهم بافتكاك حقهم اللاّمشروط في العيش الكريم قرّروا منذ الأسبوع الماضي التّصعيد في إحتجاجاتهم و قطع الطرقات إلى حين زيارة أحد المسؤولين لهم للتباحث معه فعليا في هته الكارثة البيئية و الإنسانية و سبيل إيجاد الحلول المناسبة لها، و قد ساندهم في ذلك بعض سكّان المناطق المجاورة كلمطة… و إبتهج الأهالي لمقدم الوالي (الحبيب ستّهم) ظنّا منهم أنّ المشكل في طريقه للزّوال لكن ما راعهم إلّا و هذا الأخير ينعتهم بأبشع النّعوت و يغادر المكان على جناح السرعة مثلما أتى.
و على ضوء المعطيات و التطوّرات الأخيرة، كان الإضراب العامّ بالمدينة ليوم 18 سبتمبر 2013 (و الّذي حقّق نجاحا باهرا من حيث نسبة المشاركة و نوعية الشعارات المرفوعة) وسيلة تصعيد و لكنّ هته المرّة ليس فقط إحتجاجا على الكارثة البيئيّة و إنّما أيضا للمناداة بإسقاط حكومة العمالة الّتي كسابقاتها إتّخذت سياسة المماطلة و الوعود الكاذبة و أثبتت عجزها مرّة أخرى على تسوية الملفّات الحارقة و الأكيدة.
و لئن لم نعد نستغرب تجاهل الحكومة لمثل هته المطالب الأساسيّة و العاجلة في ظلّ عمالتها للنّظام الإمبريالي و دوائر رأس المال الّذي لا يكترث لا بالإنسان و لا بالبيئة بقدر سعيه الأعمى بمساعدة بيادقه إلى الحلول السّهلة و الغير مكلّفة الّتي تمكّنه من مضاعفة أرباحه و لو على حساب مٱسي الٱخرين فإنّنا نستغرب من وجود هذا الكمّ الهائل من الهياكل بالدّولة كوزارة البيئة و التنمية المستديمة و الّتي تشرف على عديد المؤسّسات المختصّة الكفيلة بالبحث في الموضوع و إيجاد الحلول الٱنية له حتّى لا نقول تلافيه منذ البداية كالديوان الوطني للتطهير و الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات و وكالة حماية و تهيئة الشريط السّاحلي… فما فائدة هته الهياكل في مثل هذه الحالات؟ هل هي مجرّد ديكور أم وسيلة لإستنزاف المال العامّ و إثقال كاهل المواطن البسيط بالأدٱت من دون أن يستفيد من وجودها في شيء؟ و ماذا يفعل المديرون و الأطر السامية بهته الهياكل و المؤسّسات بخلاف التمتّع بالمناصب الرفيعة و إمتيازاتها؟
إلى متى ستظلّ الحكومات العميلة المستنزفة لطاقاتنا البشريّة و مواردنا البيئيّة تتعاقب علينا خدمة لسياسات أجنبيّة مشبوهة و مزيد إثراء الكمبرادور المحلي ضاربة بعرض الحائط مصلحة المواطن و الوطن؟ كم يلزم من وقت و من ضحايا لندرك أنّ هته الحكومات العميلة ماهي إلّا وجه لنظام فاسد لا إنسانيّ لا يمكنه الإستمرار سوى بخلق الأزمات لا بتقديم الحلول؟
و كم يلزم من قصيبة مديوني و من صخيرة و من ڨابس حتّى يرحلوا و يتوقّفوا عن السّمسرة بمآسينا؟